سورة فصلت - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فصلت)


        


{حَمَ} إن جعلته مبتدأ فخبره.
{تَنزِيلٌ مّنَ الرحمن الرحيم} وإن جعلته تعديداً للحروف ف {تَنزِيلَ} خبر محذوف أو مبتدأ لتخصصه بالصفة وخبره: {كِتَابٌ} وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف، ولعل افتتاح هذه السور السبع ب {حم} وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى، وإضافة ال {تَنزِيلَ} إلى {الرحمن الرحيم} للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية. {فُصّلَتْ ءاياته} ميزت باعتبار اللفظ والمعنى. وقرئ: {فُصّلَتْ} أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني، أو فصلت بين الحق والباطل. {قُرْءاناً عَرَبِيّاً} نصب على المدح أو الحال من {فُصّلَتْ}، وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه. {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر، وهو صفة أخرى ل {قُرْءاناً} أو صلة ل {تَنزِيلَ}، أو ل {فُصّلَتْ}، والأول أولى لوقوعه بين الصفات.
{بَشِيراً وَنَذِيراً} للعاملين به والمخالفين له، وقرئا بالرفع على الصفة لل {كِتَابٌ} أو الخبر لمحذوف. {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} عن تدبره وقبوله. {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} سماع تأمل وطاعة.
{وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ} أغطية جمع كنان. {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءَاذانِنَا وَقْرٌ} صمم، وأصله الثقل، وقرئ بالكسر. {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} يمنعنا عن التواصل، ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ منهم ومنه بحيث استوعب المسافة المتوسطة ولم يبق فراغ. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه واعتقادهم ومج أسماعهم له، وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم. {فاعمل} على دينك أو في إبطال أمرنا. {إِنَّنَا عاملون} على ديننا أو في إبطال أمرك.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ أَنَّمَا إلهكم إله وَاحِدٌ} لست ملكاً ولا جنياً لا يمكنكم التلقي منه، ولا أدعوكم إلى ما تنبو عنه العقول والاسماع، وإنما أدعوكم إلى التوحيد والاستقامة في العمل، وقد يدل عليهما دلائل العقل وشواهد النقل. {فاستقيموا إِلَيْهِ} فاستقيموا في أفعالكم متوجهين إليه، أو فاستووا إليه بالتوحيد والإِخلاص في العمل. {واستغفروه} مما أنتم عليه من سوء العقيدة والعمل، ثم هددهم على ذلك فقال: {وَوَيْلٌ لّلْمُشْرِكِينَ} من فرط جهالتهم واستخفافهم بالله.
{الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكواة} لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق، وذلك من أعظم الرذائل، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالفروع. وقيل معناه لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإِيمان والطاعة. {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كافرون} حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في طلب الدنيا وإنكارهم للآخرة.
{إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ} عظيم. {غَيْرُ مَمْنُونٍ} لا يمن به عليهم من المن وأصله الثقل، أو لا يقطع من مننت الحبل إذا قطعته. وقيل نزلت في المرضى والهرمى إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصلح ما كانوا يعملون.
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذى خَلَقَ الأرض فِى يَوْمَيْنِ} في مقدار يومين، أو نوبتين وخلق في كل نوبة ما خلق في أسرع ما يكون. ولعل المراد من {الأرض} ما في جهة السفل من الأجرام البسيطة ومن خلقها {فِى يَوْمَيْنِ} أنه خلق لها أصلاً مشتركاً ثم خلق لها صوراً بها صارت أنواعاً، وكفرهم به إلحادهم في ذاته وصفاته. {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} ولا يصح أن يكون له ند. {ذلك} الذي {خَلَقَ الأرض فِى يَوْمَيْنِ}. {رَبّ العالمين} خالق جميع ما وجد من الممكنات ومربيها.
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ} استئناف غير معطوف على {خَلقَ} للفصل بما هو خارج عن الصلة. {مّن فَوْقِهَا} مرتفعة عليها ليظهر للنظار ما فيها من وجوه الاستبصار وتكون منافعها معرضة للطلاب. {وبارك فِيهَا} وأكثر خيرها بأن خلق فيها أنواع النبات والحيوان. {وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها} أقوات أهلها بأن عين لكل نوع ما يصلحه ويعيش به، أو أقواتاً تنشأ منها بأن خص حدوث كل قوت بقطر من أقطارها، وقرئ: {وقسم فِيهَا أقواتها}. {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} في تتمة أربعة أيام كقولك: سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوماً. ولعله قال ذلك ولم يقل في يومين للإِشعار باتصالهما باليومين الأولين. والتصريح على الفذلكة. {سَوَاءٌ} أي استوت سواء بمعنى استواء، والجملة صفة أيام ويدل عليه قراءة يعقوب بالجر. وقيل حال من الضمير في أقواتها أو في فيها، وقرئ بالرفع على هي سواء. {لّلسَّائِلِينَ} متعلق بمحذوف تقديره هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها، أو بقدر أي قدر فيها الأقوات للطالبين لها.
{ثُمَّ استوى إِلَى السماء} قصد نحوها من قولهم استوى إلى مكان كذا إذا توجه إليه توجهاً لا يلوي على غيره، والظاهر أن ثم لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتراخي في المدة لقوله: {والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها} ودحوها متقدم على خلق الجبال من فوقها. {وَهِىَ دُخَانٌ} أمر ظلماني، ولعله أراد به مادتها أو الأجزاء المتصغرة التي كتب منها {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا} بما خلقت فيكما من التأثير والتأثر وأبرزا ما أودعتكما من الأوضاع المختلفة والكائنات المتنوعة. أو {ائتيا} في الوجود على أن الخلق السابق بمعنى التقدير أو الترتيب للرتبة، أو الإِخبار أو إتيان السماء حدوثها وإتيان الأرض أن تصير مدحوة، وقد عرفت ما فيه أو لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما ويؤيده قراءة {آتيا} في المؤاتاة أي لتوافق كل واحدة أختها فيما أردت منكما. {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} شئتما ذلك أو أبيتما والمراد إظهار كمال قدرته ووجوب وقوع مراده لا إثبات الطوع والكره لهما، وهما مصدران وقعا موقع الحال. {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} منقادين بالذات، والأظهر أن المراد تصوير تأثير قدرته فيهما وتأثرهما بالذات عنها، وتمثيلهما بأمر المطاع وإجابة المطيع الطائع كقوله: {كُنْ فَيَكُونُ} وما قيل من أنه تعالى خاطبهما وأقدرهما على الجواب إنما يتصور على الوجه الأول والأخير، وإنما قال طائعين على المعنى باعتبار كونهما مخاطبتين كقوله: {ساجدين}


{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات} فخلقهن خلقاً إبداعياً وأتقن أمرهن، والضمير ل {السماء} على المعنى أو مبهم، و{سَبْعَ سموات} حال على الأول وتمييز على الثاني. {فِى يَوْمَيْنِ} قيل خلق السموات يوم الخميس والشمس والقمر والنجوم يوم الجمعة. {وأوحى فِى كُلّ سَمَاء أَمْرَهَا} شأنها وما يتأتى منها بأن حملها عليه اختياراً أو طبعاً. وقيل أوحى إلى أهلها بأوامره ونواهيه. {وَزَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح} فإن الكواكب كلها ترى كأنها تتلألأ عليها. {وَحِفْظاً} أي وحفظناها من الآفات، أو من المسترقة حفظاً. وقيل مفعول له على المعنى كأنه قال: وخصصنا السماء الدنيا بمصابيح زينة وحفظاً. {ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم} البالغ في القدرة والعلم.
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عن الإِيمان بعد هذا البيان. {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صاعقة} فحذرهم أن يصيبهم عذاب شديد الوقع كأنه صاعقة. {مِّثْلَ صاعقة عَادٍ وَثَمُودَ} وقرئ: {صعقة مثل صعقة عاد وثمود} وهي المرة من الصعق أو الصعق يقال صعقته الصاعقة صعقاً فصعق صعقاً.
{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرسل} حال من {صاعقة عَادٍ}، ولا يجوز جعله صفة ل {صاعقة} أو ظرفاً ل {أَنذَرْتُكُمْ} لفساد المعنى. {مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} أتوهم من جميع جوانبهم واجتهدوا بهم من كل جهة، أو من جهة الزمن الماضي بالإنذار عما جرى فيه على الكفار، ومن جهة المستقبل بالتحذير عما أعد لهم في الآخرة، وكل من اللفظين يحتملهما، أو من قبلهم ومن بعدهم إذ قد بلغتهم خبر المتقدمين وأخبرهم هود وصالح عن المتأخرين داعين إلى الإِيمان بهم أجمعين، ويحتمل أن يكون عبارة عن الكثرة كقوله تعالى: {يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ} {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} بأن لا تعبدوا أو أي لا تعبدوا. {قَالُواْ لَوْ شَاء رَبُّنَا} إرسال الرسل. {لأَنزَلَ ملائكة} برسالته. {فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} على زعمكم. {كافرون} إذ أنتم بشر مثلنا لا فضل لَكُمْ علينا.
{فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِى الأرض بِغَيْرِ الحق} فتعظموا فيها على أهلها من غير استحقاق. {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} اغتراراً بقوتهم وشوكتهم. قيل كان من قوتهم أن الرجل منهم ينزع الصخرة فيقتلعها بيده. {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} قدرة فإنه قادر بالذات مقتدر على ما لا يتناهى، قوي على ما لا يقدر عليه أحد غيره. {وَكَانُواْ بئاياتنا يَجْحَدُونَ} يعرفون أنها حق وينكرونها وهو عطف على {فاستكبروا}.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} باردة تهلك بشدة بردها من الصر وهو البرد الذي يصر أي يجمع، أو شديدة الصوت في هبوبها من الصرير. {فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} جمع نحسة من نحس نحساً نقيص سعد سعداً، وقرأ الحجازيان والبصريان بالسكون على التخفيف أو النعت على فعل، أو الوصف بالمصدر قيل كان آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
{لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزى فِى الحياة الدنيا} أضاف ال {عَذَابِ} إلى {الخزى} وهو الذل على قصد وصفة به لقوله: {وَلَعَذَابُ الأخرة أخزى} وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإِسناد المجازي للمبالغة. {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} بدفع العذاب عنهم.
{وَأَمَّا ثَمُودُ فهديناهم} فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل، وقرئ: {ثَمُودَ} بالنصب بفعل مضمر يفسره ما بعده ومنوناً في الحالين وبضم الثاء. {فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} فاختاروا الضلالة على الهدى. {فَأَخَذَتْهُمْ صاعقة العذاب الهون} صاعقة من السماء فأهلكتهم، وإضافتها إلى {العذاب} ووصفه ب {الهون} للمبالغة. {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من اختيار الضلالة.
{وَنَجَّيْنَا الذين ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ} من تلك الصاعقة.
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ الله إِلَى النار} وقرئ: {يَحْشُرُ} على البناء للفاعل وهو الله عز وجل. وقرأ نافع{نَحْشُرُ} بالنون مفتوحة وضم الشين ونصب {أَعْدَاء}. {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم لئلا يتفرقوا وهو عبارة عن كثرة أهل النار.
{حتى إِذَا مَا جَاؤُوهَا} إذا حضروها و{مَا} مزيدة لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور. {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وأبصارهم وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بأن ينطقها الله تعالى، أو يظهر عليها آثاراً تدل على ما اقترف بها فتنطق بلسان الحال.
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} سؤال توبيخ أو تعجب، ولعل المراد به نفس التعجب. {قَالُواْ أَنطَقَنَا الله الذى أَنطَقَ كُلَّ شَئ} أي ما نطقنا باختيارنا بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء، أو ليس نطقنا بعجب من قدرة الله الذي أنطق كل حي، ولو أول الجواب والنطق بدلالة الحال بقي الشيء عاماً في الموجودات الممكنة. {وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يحتمل أن يكون تمام كلام الجلود وأن يكون استئنافاً.
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ سَمْعُكُمْ وَلاَ أبصاركم وَلاَ جُلُودُكُمْ} أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضاحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم بها فما استترتم عنها. وفيه تنبيه على أن المؤمن ينبغي أن يتحقق أنه لا يمر عليه حال إلا وهو عليه رقيب. {ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مّمَّا تَعْمَلُونَ} فلذلك اجترأتم على ما فعلتم.


{وَذَلِكُمْ} إشارة إلى ظنهم هذا، وهو مبتدأ وقوله: {ظَنُّكُمْ الذى ظَنَنتُمْ بِرَبّكُمْ أَرْدَاكُمْ} خبران له ويجوز أن يكون {ظَنُّكُمُ} بدلاً و{أَرْدَاكُمْ} خبراً. {فَأَصْبَحْتُمْ مّنَ الخاسرين} إذ صار ما منحوا للاستسعاد به في الدارين سبباً لشقاء المنزلين.
{فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ} لا خلاص لهم عنها. {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ} يسألوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون. {فَمَا هُم مّنَ المعتبين} المجابين إليها ونظيره قوله تعالى حكاية {أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} وقرئ: {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مّنَ المعتبين}، أي إن يسألوا أن يرضوا ربهم فما هم فاعلون لفوات المكنة.
{وَقَيَّضْنَا} وقدرنا. {لَهُمْ} للكفرة. {قُرَنَاءَ} أخدانا من الشياطين يستولون عليهم استيلاء القبض على البيض وهو القشر. وقيل أصل القيض البدل ومنه المقايضة لمعاوضة. {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أمر الدنيا واتباع الشهوات. {وَمَا خَلْفَهُمْ} مِنْ أمر الآخرة وإنكاره. {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول} أي كلمة العذاب. {فِى أُمَمٍ} في جملة أمم كقول الشاعر:
إِنْ تَكُ عَنْ أَحْسَنِ الصَّنِيعَةِ مَأ *** فُوكاً فِفِي آخَرِينَ قَدْ أُفِكُوا
وهو حال من الضمير المجرور. {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مّنَ الجن والإنس} وقد عملوا مثل أعمالهم. {إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين} تعليل لاستحقاقهم العذاب، والضمير {لَهُمْ} ولل {أُمَمٌ}.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرءان والغوا فِيهِ} وعارضوه بالخرافات أو ارفعوا أصواتكم بها لتشوشوه على القارئ، وقرئ بضم الغين والمعنى واحد يقال لغى يلغي ولغا يلغو إذا هذى. {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} أي تغلبونه على قراءته.
{فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً} المراد بهم هؤلاء القائلون، أو عامة الكفار. {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذى كَانُواْ يَعْمَلُونَ} سيئات أعمالهم وقد سبق مثله.
{ذلك}: إشارة إلى الأسوأ. {جَزَاءُ أَعْدَاءِ الله} خبره. {النار} عطف بيان لل {جَزَاء} أو خبر محذوف. {لَّهُمْ فِيهَا} في النار. {دَارُ الخُلْدِ} فإنها دار إقامتهم، وهو كقولك: في هذه الدار دار سرور، وتعني بالدار عينها على أن المقصود هو الصفة. {جَزَاءً بِمَا كَانُوا بئاياتنا يَجْحَدُونَ} ينكرون الحق أو يلغون، وذكر الجحود الذي هو سبب اللغو.
{وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَا أَرِنَا اللذين أضلانا مِنَ الجن والإنس} يعني شيطاني النوعين الحاملين على الضلالة والعصيان. وقيل هما إبليس وقابيل فإنهما سنا الكفر والقتل، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والسوسي {أَرِنَا} بالتخفيف كفخذ في فخذ، وقرأ الدوري باختلاس كسرة الراء. {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} ندوسهما انتقاماً منهما، وقيل نجعلهما في الدرك الأسفل. {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} مكاناً أو ذلاً.
{إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} اعترافاً بربوبيته وإقراراً بوحدانيته.
{ثُمَّ استقاموا} في العمل و{ثُمَّ} لتراخيه عن الإِقرار في الرتبة من حيث أنه مبدأ الاستقامة، أو لأنها عسر قلما تتبع الإِقرار، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإِيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها. {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملئكة} فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن، أو عند الموت أو الخروج من القبر. {أَلاَّ تَخَافُواْ} ما تقدمون عليه. {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالباء أو مفسرة. {وَأَبْشِرُواْ بالجنة التى كُنتُمْ تُوعَدُونَ} في الدنيا على لسان الرسل.
{نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الحياة الدنيا} نلهمكم الحق ونحملكم على الخير بدل ما كانت الشياطين تفعل بالكفرة. {وَفِي الأخرة} بالشفاعة والكرامة حيثما يتعادى الكفرة وقرناؤهم. {وَلَكُمْ فِيهَا} في الآخرة {مَا تَشْتَهِى أَنفُسُكُمْ} من اللذائذ {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} ما تتمنون من الدعاء بمعنى الطلب وهو أعم من الأول.
{نُزُلاً مّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} حال من ما تدعون للإشعار بأن ما يتمنون بالنسبة إلى ما يعطون مما لا يخطر ببالهم كالنزل للضيف.
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مّمَّن دَعَا إِلَى الله} إلى عبادته. {وَعَمِلَ صالحا} فيما بينه وبين ربه. {وَقَالَ إِنَّنِى مِنَ المسلمين} تفاخراً به واتخاذاً للإسلام ديناً ومذهباً من قولهم: هذا قول فلان لمذهبه. والآية عامة لمن استجمع تلك الصفات. وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وقيل في المؤذنين.
{وَلاَ تَسْتَوِى الحسنة وَلاَ السيئة} في الجزاء وحسن العاقبة و{لا} الثانية مزيدة لتأكيد النفي. {ادفع بالتى هِىَ أَحْسَنُ} ادفع السيئة حيث اعترضتك بالتي هي أحسن منها وهي الحسنة على أن المراد بالأحسن الزائد مطلقاً، أو بأحسن ما يمكن دفعها به من الحسنات، وإنما أخرجه مخرج الاستئناف على أنه جواب من قال؛ كيف أصنع؟ للمبالغة ولذلك وضع {أَحْسَنُ} موضع الحسنة. {فَإِذَا الذى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ} أي إذا فعلت ذلك صار عدوك المشاق مثل الولي الشفيق.
{وَمَا يُلَقَّاهَا} وما يلقى هذه السجية وهي مقابلته الإِساءة بالإحسان. {إِلاَّ الذين صَبَرُواْ} فَإِنها تحبس النفس عن الانتقام. {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ} من الخير وكمال النفس وقيل الحظ الجنة.

1 | 2